أبيي قريبة من الجيش وبعيدة عن السياسة

اشتعال أبيي معركة أصبحت معلومة المصادر والتفاصيل، ليس السبب فيها الكمين الذى نُصب للقوات المسلحة وقوات الأمم المتحدة بتدبير من الجيش الشعبى، وإنما إقرار الجيش بأنه يعلم ما يُحاك ضده من قبل الجيش الشعبي، وهو صامت لشيء في نفسه، حتى كشف المسؤول الرفيع بالقوات المسلحة اللواء صديق عامر، تفاصيل المخطط الذي يقودة الجيش الشعبي للإيقاع بالجيش وجره إلى النزال.
وقبل أن يسارع الجيش الشعبي على لسان المتحدث باسمه بيتر أقوير، باتهام القوات المسلحة بالهجوم عليهم باستخدام الطائرات، ولم يمض على الحديث السابق وقت أطول حتى طلبت الأمم المتحدة من حكومة الجنوب تفسيراً حول الهجوم الذي تعرضت له قواتها في أبيي واتهام الإدارة الأمريكية الجيش الشعبي بالضلوع في الأحداث بل التدبير له، لم يفت على الحركة الشعبية أن تثير نوعاً من الغبار على الأجواء الملبدة بالغيوم بين الشمال والجنوب، وسارعت بدورها إلى انتقاد المؤتمر الوطنى بأنه يقف وراء الأحداث، وقالت إن الوطني لا يستطيع العيش إلا فى أجواء القتال والصراع، الأمر الذي دفع بالوطني إلى أن يطلق أول تصريح رسمي عقب الأحداث بتحميله الحركة الشعبية مسؤولية ما يجري في المنطقة.
وقال لي أمين العلاقات السياسية بالحزب د. الحاج آدم الذي يتابع الأحداث إنه يعلم كيف بدأت الأحداث. وأضاف قائلاً إن الذى يجري على الأرض الآن هو رد فعل من القوات المسلحة على ذلك الاستهداف غير المسؤول وغير الأخلاقى من قوات الحركة. ودعا الحركة إلى الالتزام بكل المواثيق الواردة في اتفاقية السلام بالجنوب وبروتكول أبيي، واتهمها بجر الحكومة إلى مربع الحرب. وقال سنمضي في السلام حتى النهاية.
ولكن يبدو من تصريحات القوات المسلحة أنها تحتفظ بحقها في الرد، وأن القضية لم تنتهِ بالتصريحات، كأنما تركت الحديث الفصل في يد القوات لرد الاعتبار أولاً، ثم البحث عن مخرج للأزمة. وربما الموقف الذى تعانيه حكومة الجنوب من اتساع رقعة المنشقين وسقوط عدد من المناطق بالجنوب في يد الثوار، دفع الحركة إلى اشعال أبيى وبالتالي صرف الأنظار عما تعانيه من مشكلات. ويقول مصدر من الجنوب، فضل حجب اسمه، إن الحركة في مأزق حقيقي بعد انتقاد المجتمع الدولي لها. وقال إن انفصال الجنوب الآن فى خطر.
وليست الأطراف العسكرية وحدها التي دخلت إلى حلبة الصراع، فهناك المسيرية. وعندما طلبت من رئيس هيئة تنمية أبيي محمد عمر الأنصارى أن يصف لى الأحداث هناك، قال إنهم على مشارف أبيي على بعد سبعة كيلومترات من أبيي دفاعاً عنها. وقال: «إننا سنمضي إلى الأمام في تحرير أرضنا ولن نتركها مرة ثانية»، ووصف الحركة بالخائنة للعهود. وبدوره يرى رئيس اتحاد عام المسيرية أن الوضع بالمنطقة متوتر، وأن هناك أعداداً من الجرحى والقتلى من أبنائهم مازالوا في العراء، وتخوف من أن يتعرض العرب ومواشيهم للاعتداء والسرقة من قبل الجيش الشعبي، إذا عادوا إلى الشمال بعد دخول موسم الخريف. ودعا الحكومة لحمايتهم.
إذن الموقف الآن على الأرض تديره القوات المسلحة، وابتعدت السياسة عن التدخل المباشر لتهدئة الموقف. وربما حديث القوات المسلحة بأن منطقة أبيي أصبحت منطقة حرب وأنها تحتفظ لنفسها بحق الرد، لم يخرج عن السياق العام للواقع الآن الذي تشهده المنطقة، إلى حين إشعار آخر ربما يأتي في مقبل الأيام القادمة.