المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
مع مذكرات اللواء صديق البنا قائد المنطقة الجنوبية «82 ـ 83» (الحلقة الاخيرة)
صفحة 1 من اصل 1
مع مذكرات اللواء صديق البنا قائد المنطقة الجنوبية «82 ـ 83» (الحلقة الاخيرة)
كثيرة هي الكتابات التي حاولت أن تؤرخ للتمرد في جنوب السودان.. بعضها اجتهد في جمع المعلومات والاستماع إلى شهادات حية من المعاصرين لكن ما خطه يراع اللواء صديق البنا قائد القيادة الجنوبية عام «82 ـ 1983م» له خصوصية توثيقية متفردة لأنه عايش هذه الأحداث لحظة بلحظة ووقف على مجريات الأحداث الساخنة واطّلع على وثائقها ووقف على أولى نقاط الدم التي أراقها التمرد وأولى خطوات السلام التي نقض غزلها سريعاً.٭ الحلقات متكأ لكل باحث عن وقائع وأحداث تمرد جنوب السودان خاصة في تلك الفترة من عام «82 ـ 1983م» باعتبارها فترة مفصلية شهدت وأد اتفاقية أديس أبابا ودخول جون قرنق إلى ساحة التمرد حيث تحولت بندقيته في القوات المسلحة عندما كان ضابطاً في خندق الدفاع عن التراب إلى ساحة استهداف التراب والهُوية.
1/5 حوالى الساعة الحادية عشر اتصل قائد الفرقة بالسيد جوزيف طمبرة وأخطره بالتنوير الذي سوف يقدمه للجنة الأمن، وطلب منه دعوة رؤساء اللجان بمجلس الشعب باستثناء الرائد أروك طون أروك لتورُّطه في تحريض الكتيبة «105» مع المحامي مارتن ماجير وآخرين.
1/5/1983م الساعة السادسة مساءً ذهب قائد الفرقة إلى منزل العميد جيمس لورو لإخطاره بأنه سيغادر جوبا إلى الخرطوم لتنوير هيئة القيادة بقرار شن عمليات سريعة على كل من بور والبيبور وفشلا.. وعندما دخل قائد القيادة إلى حجرة الاستراحة الخارجية الملحقة بمنزل قائد ثاني الفرقة قابله العقيد جون قرنق وقد انتصب في حالة انتباه.. وبدأ يحيي قائد الفرقة الذي حيّاه قائلاً: أنت وصلت يا جون قرنق إلى جوبا قبل أسبوع تقريباً من ملكال التي مكثت فيها يومين، ثم أردف قائد الفرقة سائلاً: لماذا لم تحضر إلى رئاسة القيادة للتبليغ رسمياً بحضورك.. أم ليس لك الرغبة في الحضور وتحية قائد الفرقة وهيئة القيادة؟ قال جون قرنق: «آسف سعادتك سوف أحضر غداً للتحية». قال قائد الفرقة: حضورك يكون قبل الساعة السابعة صباحاً» بعد ذلك أخذ قائد الفرقة جيمس لورو بعيداً وأخبره بأنه سيغادر جوبا حوالى الساعة الثانية عشر ظهراً إلى الخرطوم لفترة «24» ساعة فقط. وطلب منه استلام القيادة وأن يكون باستمرار مع العقيد الركن عز الدين هريري والمقدم عصام ميرغني والمقدم السر أحمد سعيد.
الإثنين 2/5/1983م الساعة السابعة صباحاً بالضبط.. دخل جون قرنق على قائد الفرقة يرافقه الملازم أول فيصل عبدالله وبعد التحية قال قائد الفرقة لجون قرنق بالحرف الواحد: «لماذا حضرت إلى جوبا ومن قبل ملكال؟ رد عليه جون قرنق: «حضرت سعادتك في إجازة أسبوعين لزيارة الأهل وأخذ زوجتي من بور إلى الخرطوم» قال له قائد الفرقة: ألم تسمع أن الكتيبة قد تمرّدت وخرجت عن دائرة سلطة اللواء «13» وقيادة الفرقة وسلّمت قيادتها للسياسيَين «قاي توت وكوت أتيم» وأن كربينو قد تمرّد هو الآخر وسلّم نفسه للرقيب يوسف كير ليقوده؟ أظهر جون قرنق استغرابه لما حصل. وفي نهاية الحديث الطويل قال قائد الفرقة: «لا تذهب إلى بور فإن حياتك ستكون في خطر إذا ذهبت.. ثم قال له وهو يبتسم «إلا إذا كنت تعلم بكل شيء وحضرت للمشاركة.. ثم أمره بالانصراف بعد أن أوضح له أن القيادة تعلم بكل شيء وكل ما يدور من تآمر..
بعد خروج جون قرنق مباشرة استدعى قائد الفرقة جيمس لورو في المكتب وأصدر له تعليمات شفهية. أردفها بأوامر مكتوبة بأن لا يسمح لجون قرنق بالذهاب لبور بأي حال من الأحوال. وإن استدعى الأمر أن يضعه في الإيقاف الشديد وإرجاعه بالطائرة الحربية.. أو أية طائرة أخرى للخرطوم، غير أن جون قرنق استطاع أن يفلت من جيمس لورو أو ربما يكون قد استغفله واستطاع الهروب بمعاونة أروك طون أروك إلى بور قبل رجوع قائد الفرقة من الخرطوم.
2/5/1983م الإثنين الساعة التاسعة والنصف صباحاً، وصل قائد الفرقة إلى مكتب طمبرة حيث وجد الجميع مجتمعين في انتظاره، بدأ على الفور في التنوير الذي كان مفصلاً وصريحاً ودقيقاً ختمه قائد الفرقة قائلاً: «بأنه قرّر السفر للخرطوم لتنوير السيد الرئيس القائد وهيئة القيادة بقراره بشن هجوم خاطف على سرايا الكتيبة «105» وطلب من الحضور أخذ علم بذلك، كما طلب من طمبرة أن يرافقه إلى الخرطوم غداً 3/5 ليقوما بتنوير السيد رئيس الجمهورية وهيئة القيادة العامة بخطورة الموقف، والقرار الذي اتخذته القيادة الجنوبية وموافقة الحكومة الإقليمية عليه.. وافق الجميع على سفر طمبرة مع قائد الفرقة للخرطوم.
الثلاثاء 3/5/1983م غادر طمبرة وقائد القيادة الجنوبية جوبا للخرطوم التي وصلاها في الساعة الثالثة مساءً. ومن المطار رأساً إلى جهاز أمن الدولة حيث استقبله اللواء عمر محمد الطيب النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس جهاز أمن الدولة الذي كان في انتظاره لعلمه مسبقاً بوصوله مع قائد الفرقة ليوضحا له الموقف العسكري المتردي فور وصولهم مباشرة من المطار.
الأربعاء 4/5/1983م قام قائد الفرقة بتنوير رئيس هيئة العمليات ومديري العمليات والاستخبارات وطلب أن يقوم بتنوير السيد القائد العام ورئيس الجمهورية الرئيس نميري وهيئة القيادة مجتمعين صباح الخميس 5/5/1983م على أن يحضر التنوير كل من عمر محمد الطيب وجوزيف لاقو نائب رئيس الجمهورية وطمبرة بالإضافة إلى مدراء أفرع العمليات والاستخبارات ومكتب السيد القائد العام العقيد الركن أبوالقاسم إبراهيم محمد، لم يكن ضمن من حضروا الاجتماع د. حسن الترابي والشريف التهامي كما أشاع أبل ألير في كتابه صفحة «249» الجنوب.. التمادي في نقض العهود والمواثيق.
الخميس 5/5/1983م تم التنوير الشامل الذي استغرق حوالى ثلاث ساعات كاملة، بعده وجّه الرئيس القائد بترك قائد الفرقة ليقوم بتنفيذ خطته العسكرية على أن تقدم له المساعدات كافة من القيادة العامة من «طيران وذخيرة واتصالات... إلخ».
الجمعة 6/5/1983م غادر قائد الفرقة الخرطوم على متن الطائرة البفلو العسكرية متوجهاً إلى جوبا التي هبطت في ملكال لأخذ العقيد الركن ميرغني بتي رئيس أركان اللواء «13» لمصاحبة قائد الفرقة إلى جوبا لوضع اللمسات الأخيرة للخطة العسكرية التي سوف تشارك فيها سريتان تابعتان لملكال للهجوم على البيبور من أكوبو.
السبت 7/5/1983م الإثنين 9/5/1983م عكف قائد الفرقة وهيئة أركان الفرقة والعقيد الركن ميرغني بتي في إعداد وطبع تقدير الموقف وخطة وأوامر العمليات التي تقرّر أن تنفذ ليلة 15/16 مايو 1983م على أن يكتمل احتلال كل من بور والبيبور قبل الساعة التاسعة صباحاً من يوم 16/5/1983م.
الثلاثاء 10/5/1983م غادر العقيد ميرغني بتي جوبا لملكال لتكملة إجراءات القوات التي سوف تنفذ العملية من أكوبو على البيبور.. في حوالى الساعة الثانية عشر منتصف النهار وصلت إشارة من ملكال وبعد وصول العقيد ميرغني إليها مباشرة بأن كل شيء تمام.. وأن القوات جاهزة لتنفيذ العملية حسب ما جاء في الأمر الإنذاري الصادر عن رئاسة الفرقة.
الأربعاء 11/5/1983م الساعة الثامنة مساءً وصل جوبا سبعة من ضباط الصف والجنود من الكتيبة «105» الذين ينتمون إلى الإستوائية وأدلوا بمعلومات خطيرة توضح أن جون قرنق قد باشر القيادة ونور القوات المكونة من سرية رئاسة الكتيبة «105» والشرطة والسجون وحرس الصيد والأنانيا عن الخطة العسكرية التي سوف تنفذ قبل يوم 24 الجاري، وذلك للهجوم على جوبا وبعد الاستيلاء عليها يعلن فصل الجنوب وطلب العون الخارجي الذي سيصل سريعاً من يوغندا وكينيا بالطائرات.
الخميس 12/5/1983م تم إرسال الخطة كاملة للقيادة العامة فرع العمليات للعلم بطائرة البفلو الخاصة وطلب الدعم المطلوب وهو عبارة عن طائرتين عموديتين وواحدة بفلو إضافية لتكملة التشويش، وواجب الطائرتين العموديتين قطع الطريق للقوات الهاربة إلى داخل الأراضي الإثيوبية أمام قواتنا.
الجمعة 13/5/1983م أمر قائد الفرقة بإرسال إشارة شخصية منه إلى أبل ألير والموجود ببور منذ ثلاثة أشهر للحضور لجوبا.. التي سوف يغادرها في نفس اليوم لحضور اجتماع المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، لقد رفض السيد أبل ألير الحضور معتذراً وشاكراً للقيادة على إرسالها عربة خاصة لترحيله إلى جوبا «لم تكن هنالك اجتماعات للمكتب السياسي بل كان الهدف إخراجه من بور قبل الهجوم عليها حتى لا يتعرّض شخصه إلى أيّ أذى أثناء العمليات».
13/5 الساعة السابعة مساءً وصل ثلاثة جنود من بور وهم من أبناء الإستوائية، وبعد التحقيق معهم أوضحوا أن الحالة سيئة جداً في بور، وأن كلاً من جون قرنق وكاربينو كوانج والرقيب يوسف كير قد استباحوا بور وكسروا بنك الوحدة في بور وأخذوا كل ما به من نقود التي تقدر بحوالى مليون ونصف جنيه سوداني، كما أوضح الجنود الهاربين من بور أيضاً أن قوات الأنانيا بدأت في الدخول علانية إلى بور وبأعداد كبيرة وهي تحمل السلاح وتغني أغاني الدينكا الخاصة بالحرب.
السبت 14/5/1983م الساعة الثامنة صباحاً وصل إلى مكتب اللواء الركن صديق البنا القائد العام للقيادة الجنوبية وفد من تجار بور يرافقهم السيد/ الطيب حسن مدير بنك الوحدة في جوبا الذي يتبع له بنك الوحدة ببور وصديق كوراك سكرتير الغرفة التجارية بجوبا، ويضم الوفد الذي وصل من بور كل من «فضل الله العاقب وعبدالله إلياس وتاجر آخر. جاء السيد الطيب حسن ليبلغ بكسر البنك ونهب كل ما به من نقود.. كما جاء التجار من بور ليوضحوا الحالة السيئة التي وصل إليها الأمن في بور وما قام به كل من جون قرنق وكاربينو ويوسف كير والملازم ألير وغيرهم من ضرب التجار ونهب الممتلكات وتوزيعها على القوات المتمردة. وقد كشف عبد الله إلياس عن آثار الضرب الذي تعرض له من كاربينو وضباط الصف، وقد كانت الآثار واضحة تؤكد أن الضرب كان مبرحاً وشديداً.
أمر قائد الفرقة بأن يتم علاج التاجر عبد الله إلياس وتضميد جراحه، ثم أخطر كلاً من الطيب حسن وصديق كوراك بأن القيادة سوف تنفذ عملية سريعة ليلة «15/16» وعليهم أن يصبروا على الأذى، وطلب القائد أن لا يرجعوا إلى بور، كما طلب منهم أن يبقوا هذا الأمر في سرية تامة.
السبت 14/5/1983م كررت محاولة إخراج السيد أبل ألير من مدينة بور قبل شن العمليات الحربية «المحدودة» التي قررت ليلة 15/16مايو 1983م. لقد تم إرسال عربة من وحدة جهاز أمن الدولة يقودها وكيل عريف «أمن» جمعة لادو بنقا وبقيادة النقيب «أمن» خميس ميان مدوت إلى بور لإحضار السيد أبل ألير إلى جوبا حتى لا تتعرّض حياته للخطر، لقد رفض السيد أبل ألير الحضور إلى جوبا وقد كان في اجتماع في مقر إقامته بالاستراحة الحكومية. لقد أبلغ النقيب «أمن» خميس ميان أن الاجتماع كان كبيراً شاهد فيه بعض الأجانب وبعض الضباط من الجيش في مقدمتهم جون قرنق وكربينو والشرطة وضباط الصف وبعض السياسيين.. اتضح فيما بعد أن المستر فوستر وبعض الهولنديين كانوا بالاجتماع كما أن محافظ المديرية ماريو كان حاضراً له وقمندان شرطة بور كان حاضراً أيضاً.
الأحد 15/5/1.983م صباحاً زار قائد الفرقة القوات التي سوف تقوم بتنفيذ العملية العسكرية واطمأن على أن كل شيء جاهز تماماً. وحتى تلك اللحظة وحفاظاً على السرية فقد صدرت الأوامر بأن القوات سوف تتحرك صوب نمولي حيث وردت أخباراً بغزو الجيش اليوغندي للأراضي السودانية ودخولها في أكثر من ثلاثين ميلاً تعقباً للمتمردين من الجيش اليوغندي.
الساعة الرابعة عصر 15/5 وصلت أربع عربات مصفحة بنهارت بالطائرات الهيركيوليس من بانتيو للمشاركة في العمليات جنباً إلى جنب مع عربات صلاح الدين المصفحة.. وتحركت رأساً لتأخذ مكانها بشرق النهر حتى لا يراها الأهالي ويعلموا أن هناك عمليات سوف يقوم بها الجيش ضد بور والتي يعلمون بتمردها ورفضها للأوامر الصادرة من القيادة العامة والقيادة الجنوبية.
بعد المغيب مباشرة وتحت ستار جنح الليل بدأت القوات المشاركة في العملية وقوتها كتيبة مدعومة بعناصر مدفعية ومدرعة ومهندسين.. الخ تحت قيادة دومنيك كاسيانو «وهو ضابط مستوعب» تشكل للتحرك شرق كوبري جوبا. وبعد أن اكتمل التشكيل جمعت كل القوة لكي يتحدث إليها قائد الفرقة معلناً المهمة.. وتعالت زغاريد الفرح وتحركت القوة في تمام الساعة الثامنة مساءً يوم 15/5 إلى بور وفي نفس اليوم والساعة تحركت قوة سريتان من أكوبو للهجوم على البيبور.. يوم 16/5 الساعة الخامسة والنصف صباحاً وهو نفس الوقت الذي وصلت فيه القوات المتحركة من جوبا إلى بور وبدأت القوتان في الالتحام مع القوات المتمردة في بور والبيبور في وقتٍ واحد.
لقد انتهت عملية البيبور في أقل من خمسة وأربعين دقيقة حيث كانت المفاجأة مذهلة وعظيمة.. تم القبض على السلاح وعدد من ضباط الصف والجنود واستطاع البعض الهروب إلى البر الإثيوبي في رحلة اللا عودة.
أما في مسرح عمليات بور فقد وقعت بعض المقاومة تمكنت قوات الجيش من سحقها واستلام المعسكر والمدينة قبل الساعة الثانية ظهراً. ولم تُصَب مدينة بور بضرر من نيران القوات المهاجمة كما لم يصب السيد أبل ألير وكانت قد وضعت عليه حراسة من السرية الأولى الكتيبة «107» التي أرسلت من جوبا لحماية بور في 22/1/1983م لقد أصيب الرائد كربينو إصابة خطيرة ولكنه استطاع الهروب وتم استلام المعسكر بكل ذخائره وأسلحته التي كان بعضها لقوات الأنانيا.. كما تم القبض على كل رجال الشرطة والسجون وحرس الصيد الذين سلموا أنفسهم دون قيد أو شرط. كما سلم بعض جنود سرية رئاسة الكتيبة «105» وتمكن بعضهم من الفرار في معية جون قرنق الذي سهل له الهولنديين الهروب بمنحه أربع عربات لاندروفر مزودة بالوقود إلى أن وصل مكاناً آمناً داخل الأراضي الاثيوبية.. كما تمكن كل من صمويل قاي وكوت أتيم ومارتن ماجير من الهروب من بور إلى أثيوبيا.
كانت القيادة الجنوبية ومن مركز القيادة بغرفة العمليات تسيطر على سير العمليتين خطوة بخطوة بأجهزة مركبة على عربات إشارة وعلى اتصال دائم مع جوبا.. وقبل الساعة الخامسة مساءً كانت القوات الهاجمة تسيطر سيطرة تامة على بور والبيبور استشهد من القوات المهاجمة ضابط واحد هو الرائد خميس وثلاثة من ضباط الصف والجنود.
16/5 الساعة السادسة مساءً أرسلت إشارة برق للقائد بالخرطوم تزف نبأ نجاح العمليات دون إراقة دماء وأن كل الأسلحة تم قبضها وتمكن جون قرنق وكربينو وقاي توت وكوت أتيم وغيرهم من السياسيين من الهروب إلى إثيوبيا وذلك لرفض رئيس هيئة العمليات إرسال الطائرتين العموديتين إلى بور للاشتراك في العملية كما هو مقرر.
يوم 17/5 الساعة السادسة والنصف قام قائد القيادة وقائد ثاني الفرقة وركن الاستخبارات والعمليات بزيارة بور للإطمئنان على القوات وسلامتها مما رفع الروح المعنوية لها، عاد قائد الفرقة من بور في الساعة الحادية عشرة والنصف بناءً على طلب من رئاسة الفرقة نسبة لحضور الفريق أبوكدوك إلى جوبا في نفس اليوم إلى رئيس هيئة العمليات هو الفريق توفيق أبو كدوك الذي كان يعارض بقوة العمليات العسكرية، حوالى الساعة الرابعة والنصف وصل جوبا الفريق أبوكدوك وبعض الضباط من القيادة حيث غادروها إلى بور يرافقهم قائد الفرقة للاطمئنان على سلامة القوات.. رجع أبوكدوك عصر نفس اليوم إلى جوبا وغادرها قبل الساعة السادسة مساءً بالطائرة الحربية إلى الخرطوم.
18/5/1983م أصدر اللواء عمر محمد الطيب رئيس جهاز أمن الدولة بياناً أعلن فيه ضرب التمرد في كل من بور والبيبور وأن القوات في طريقها إلى فشلا.. لقد سمعت سرية فشلا البيان وفور سماعها للبيان هربت كل القوة بأسلحتها إلى إثيوبيا وتقدر بحوالى اثنين وسبعين ضابط صف وجندي.
السبت 21/5 تسلم السيد جوزيف جيمس طمبرة رئيس المجلس التنفيذي العالي تقريراً عن الموقف في بور والبيبور وهدوء الأحوال فيهما من رئيس وحدة جهاز الأمن. كما تضمن التقرير الذي وصلت منه صورة إلى السيد قائد القيادة بأن المستر فوستر المندوب المقيم لهيئة الأمم المتحدة قد غادر جوبا يوم 13/5 واجتمع مع الهولنديين بحضور أبل ألير وجون قرنق ومحافظ المديرية مايكل ماريو الذي كان متذبذ ًا بين مؤيد ومعارض للتمرد. في ذلك الاجتماع أخطر المستر فوستر كلاً من جون قرنق وأبل ألير بأن لديه من المعلومات ما يؤكد بأن قائد القيادة الجنوبية اللواء البنا قد أعد العدة للهجوم على بور والبيبور ليلة 15/16 وأخطر المجتمعين بأن وزير الزراعة الإقليمي كان قد طلب من الهولنديين منح الجيش ثلاثة تراكترات للمعاونة في بعض الاعمال. غير أن الهولنديين رفضوا ذلك بعد إخطارهم بأن الجيش السوداني سوف يستعملها في العمليات الحربية ضد قوات بور. إن ما قاله المستر فوستر قد كان حقيقة فقد طلبت القيادة الجنوبية هذه التراكترات لاستعمالها إذا ما هطلت الامطار أثناء أو قبل العمليات بيوم وصار الطريق يصعب التحرك عليه بالعربات العادية.
في أول يونيو 1983م أصدر السيد رئيس الجمهورية القرار رقم «1» حيث تم تقسيم الإقليم الجنوبي إلى ثلاثة أقاليم.. الإستوائي وعاصمته جوبا، أعالي النيل وعاصمته ملكال، وبحر الغزال وعاصمته واو، لقد استقبل هذا القرار الخطير الذي تجاوز فيه الرئيس نميري الخطوات التي نصت عليها اتفاقية أديس أبابا في حالة إجراء أي تعديلات عليها.. لقد قابلته الإستوائية وقبائل أعالي النيل من غير الدينكا بالإرتياح والسرور كما قابلته الدينكا وبعض القبائل التي ترفض التقسيم بغضب وانفعال شديدين.. هرب على إثره كثير من الذين يعارضون التقسيم وقلوبهم مع القوى الانفصالية التي خططت لهذا الهروب المكثف.
في التاسع من يونيو تمرد النقيب وليم نون محتجاً على تقسيم الجنوب. لقد ارتكب النقيب وليم نون أبشع جريمة حينما قام بقتل حرس المواهي الذي أحضر له مواهي سريته وجميعهم من الشماليين بقيادة الرائد عبدالرحمن عبدالمجيد والنقيب عبد الله يوسف وثمانية عشر من ضباط الصف والجنود. قتلهم بمدفع المدرعة الفريت وقام بدفنهم داخل حفرة كبيرة. ودخل الغابة معلناً تمرده للحاق بصديقه المجنون كاربينو.
في 23/6/1983م وصلت إشارة عاجلة من كبويتا توضح أن مجموعة من الخوارج احتلت جبل بوما وقامت بأخذ بعض الأجانب التابعين للمنظمات وأسرهم كرهائن وطالبت بأموال ومهمات وملبوسات وذكرت أنها من حركة تحرير جنوب السودان.
خاتمة:
هذه هي قصة التمرد الثاني هدفه.. إستراتيجية.. وتطوره منذ توقيع اتفاقية أديس ابابا 1972م وحتى يوليو 1983م تم سردها باختصار شديد جداً متجاوزين عن الكثير من الأسرار والحقائق التي أفسحنا لها حيزاً كبيراً جداً في الكتاب «الجنوب معضلة الأمن القومي السوداني» هنالك الكثير من الحقائق والأسرار التي لا يعلمها إلا القلة من القادة السياسيين والعسكريين الشماليين أو الجنوبيين الذين لم تتح لهم الظروف ومجالات العمل للمشاركة فيها أو صنع أحداثها.
سيتم سردها بكل الصدق والأمانة من أجل هذا الوطن الحبيب والأجيال السودانية القادمة.. وكذلك نيابة عن الذين يعلمون الحقائق ولا يريدون الإفصاح أوالكتابة عنها.. نسجلها للتاريخ نيابة عنهم حتى لا تضيع حقوقهم المشروعة.
وبالله قصد السبيل
لواء ركن «م» صديق البنا
قائد القيادة الجنوبية «1982م ـ 1983م»
حامل وسام ابن السودان البار.
1/5 حوالى الساعة الحادية عشر اتصل قائد الفرقة بالسيد جوزيف طمبرة وأخطره بالتنوير الذي سوف يقدمه للجنة الأمن، وطلب منه دعوة رؤساء اللجان بمجلس الشعب باستثناء الرائد أروك طون أروك لتورُّطه في تحريض الكتيبة «105» مع المحامي مارتن ماجير وآخرين.
1/5/1983م الساعة السادسة مساءً ذهب قائد الفرقة إلى منزل العميد جيمس لورو لإخطاره بأنه سيغادر جوبا إلى الخرطوم لتنوير هيئة القيادة بقرار شن عمليات سريعة على كل من بور والبيبور وفشلا.. وعندما دخل قائد القيادة إلى حجرة الاستراحة الخارجية الملحقة بمنزل قائد ثاني الفرقة قابله العقيد جون قرنق وقد انتصب في حالة انتباه.. وبدأ يحيي قائد الفرقة الذي حيّاه قائلاً: أنت وصلت يا جون قرنق إلى جوبا قبل أسبوع تقريباً من ملكال التي مكثت فيها يومين، ثم أردف قائد الفرقة سائلاً: لماذا لم تحضر إلى رئاسة القيادة للتبليغ رسمياً بحضورك.. أم ليس لك الرغبة في الحضور وتحية قائد الفرقة وهيئة القيادة؟ قال جون قرنق: «آسف سعادتك سوف أحضر غداً للتحية». قال قائد الفرقة: حضورك يكون قبل الساعة السابعة صباحاً» بعد ذلك أخذ قائد الفرقة جيمس لورو بعيداً وأخبره بأنه سيغادر جوبا حوالى الساعة الثانية عشر ظهراً إلى الخرطوم لفترة «24» ساعة فقط. وطلب منه استلام القيادة وأن يكون باستمرار مع العقيد الركن عز الدين هريري والمقدم عصام ميرغني والمقدم السر أحمد سعيد.
الإثنين 2/5/1983م الساعة السابعة صباحاً بالضبط.. دخل جون قرنق على قائد الفرقة يرافقه الملازم أول فيصل عبدالله وبعد التحية قال قائد الفرقة لجون قرنق بالحرف الواحد: «لماذا حضرت إلى جوبا ومن قبل ملكال؟ رد عليه جون قرنق: «حضرت سعادتك في إجازة أسبوعين لزيارة الأهل وأخذ زوجتي من بور إلى الخرطوم» قال له قائد الفرقة: ألم تسمع أن الكتيبة قد تمرّدت وخرجت عن دائرة سلطة اللواء «13» وقيادة الفرقة وسلّمت قيادتها للسياسيَين «قاي توت وكوت أتيم» وأن كربينو قد تمرّد هو الآخر وسلّم نفسه للرقيب يوسف كير ليقوده؟ أظهر جون قرنق استغرابه لما حصل. وفي نهاية الحديث الطويل قال قائد الفرقة: «لا تذهب إلى بور فإن حياتك ستكون في خطر إذا ذهبت.. ثم قال له وهو يبتسم «إلا إذا كنت تعلم بكل شيء وحضرت للمشاركة.. ثم أمره بالانصراف بعد أن أوضح له أن القيادة تعلم بكل شيء وكل ما يدور من تآمر..
بعد خروج جون قرنق مباشرة استدعى قائد الفرقة جيمس لورو في المكتب وأصدر له تعليمات شفهية. أردفها بأوامر مكتوبة بأن لا يسمح لجون قرنق بالذهاب لبور بأي حال من الأحوال. وإن استدعى الأمر أن يضعه في الإيقاف الشديد وإرجاعه بالطائرة الحربية.. أو أية طائرة أخرى للخرطوم، غير أن جون قرنق استطاع أن يفلت من جيمس لورو أو ربما يكون قد استغفله واستطاع الهروب بمعاونة أروك طون أروك إلى بور قبل رجوع قائد الفرقة من الخرطوم.
2/5/1983م الإثنين الساعة التاسعة والنصف صباحاً، وصل قائد الفرقة إلى مكتب طمبرة حيث وجد الجميع مجتمعين في انتظاره، بدأ على الفور في التنوير الذي كان مفصلاً وصريحاً ودقيقاً ختمه قائد الفرقة قائلاً: «بأنه قرّر السفر للخرطوم لتنوير السيد الرئيس القائد وهيئة القيادة بقراره بشن هجوم خاطف على سرايا الكتيبة «105» وطلب من الحضور أخذ علم بذلك، كما طلب من طمبرة أن يرافقه إلى الخرطوم غداً 3/5 ليقوما بتنوير السيد رئيس الجمهورية وهيئة القيادة العامة بخطورة الموقف، والقرار الذي اتخذته القيادة الجنوبية وموافقة الحكومة الإقليمية عليه.. وافق الجميع على سفر طمبرة مع قائد الفرقة للخرطوم.
الثلاثاء 3/5/1983م غادر طمبرة وقائد القيادة الجنوبية جوبا للخرطوم التي وصلاها في الساعة الثالثة مساءً. ومن المطار رأساً إلى جهاز أمن الدولة حيث استقبله اللواء عمر محمد الطيب النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس جهاز أمن الدولة الذي كان في انتظاره لعلمه مسبقاً بوصوله مع قائد الفرقة ليوضحا له الموقف العسكري المتردي فور وصولهم مباشرة من المطار.
الأربعاء 4/5/1983م قام قائد الفرقة بتنوير رئيس هيئة العمليات ومديري العمليات والاستخبارات وطلب أن يقوم بتنوير السيد القائد العام ورئيس الجمهورية الرئيس نميري وهيئة القيادة مجتمعين صباح الخميس 5/5/1983م على أن يحضر التنوير كل من عمر محمد الطيب وجوزيف لاقو نائب رئيس الجمهورية وطمبرة بالإضافة إلى مدراء أفرع العمليات والاستخبارات ومكتب السيد القائد العام العقيد الركن أبوالقاسم إبراهيم محمد، لم يكن ضمن من حضروا الاجتماع د. حسن الترابي والشريف التهامي كما أشاع أبل ألير في كتابه صفحة «249» الجنوب.. التمادي في نقض العهود والمواثيق.
الخميس 5/5/1983م تم التنوير الشامل الذي استغرق حوالى ثلاث ساعات كاملة، بعده وجّه الرئيس القائد بترك قائد الفرقة ليقوم بتنفيذ خطته العسكرية على أن تقدم له المساعدات كافة من القيادة العامة من «طيران وذخيرة واتصالات... إلخ».
الجمعة 6/5/1983م غادر قائد الفرقة الخرطوم على متن الطائرة البفلو العسكرية متوجهاً إلى جوبا التي هبطت في ملكال لأخذ العقيد الركن ميرغني بتي رئيس أركان اللواء «13» لمصاحبة قائد الفرقة إلى جوبا لوضع اللمسات الأخيرة للخطة العسكرية التي سوف تشارك فيها سريتان تابعتان لملكال للهجوم على البيبور من أكوبو.
السبت 7/5/1983م الإثنين 9/5/1983م عكف قائد الفرقة وهيئة أركان الفرقة والعقيد الركن ميرغني بتي في إعداد وطبع تقدير الموقف وخطة وأوامر العمليات التي تقرّر أن تنفذ ليلة 15/16 مايو 1983م على أن يكتمل احتلال كل من بور والبيبور قبل الساعة التاسعة صباحاً من يوم 16/5/1983م.
الثلاثاء 10/5/1983م غادر العقيد ميرغني بتي جوبا لملكال لتكملة إجراءات القوات التي سوف تنفذ العملية من أكوبو على البيبور.. في حوالى الساعة الثانية عشر منتصف النهار وصلت إشارة من ملكال وبعد وصول العقيد ميرغني إليها مباشرة بأن كل شيء تمام.. وأن القوات جاهزة لتنفيذ العملية حسب ما جاء في الأمر الإنذاري الصادر عن رئاسة الفرقة.
الأربعاء 11/5/1983م الساعة الثامنة مساءً وصل جوبا سبعة من ضباط الصف والجنود من الكتيبة «105» الذين ينتمون إلى الإستوائية وأدلوا بمعلومات خطيرة توضح أن جون قرنق قد باشر القيادة ونور القوات المكونة من سرية رئاسة الكتيبة «105» والشرطة والسجون وحرس الصيد والأنانيا عن الخطة العسكرية التي سوف تنفذ قبل يوم 24 الجاري، وذلك للهجوم على جوبا وبعد الاستيلاء عليها يعلن فصل الجنوب وطلب العون الخارجي الذي سيصل سريعاً من يوغندا وكينيا بالطائرات.
الخميس 12/5/1983م تم إرسال الخطة كاملة للقيادة العامة فرع العمليات للعلم بطائرة البفلو الخاصة وطلب الدعم المطلوب وهو عبارة عن طائرتين عموديتين وواحدة بفلو إضافية لتكملة التشويش، وواجب الطائرتين العموديتين قطع الطريق للقوات الهاربة إلى داخل الأراضي الإثيوبية أمام قواتنا.
الجمعة 13/5/1983م أمر قائد الفرقة بإرسال إشارة شخصية منه إلى أبل ألير والموجود ببور منذ ثلاثة أشهر للحضور لجوبا.. التي سوف يغادرها في نفس اليوم لحضور اجتماع المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، لقد رفض السيد أبل ألير الحضور معتذراً وشاكراً للقيادة على إرسالها عربة خاصة لترحيله إلى جوبا «لم تكن هنالك اجتماعات للمكتب السياسي بل كان الهدف إخراجه من بور قبل الهجوم عليها حتى لا يتعرّض شخصه إلى أيّ أذى أثناء العمليات».
13/5 الساعة السابعة مساءً وصل ثلاثة جنود من بور وهم من أبناء الإستوائية، وبعد التحقيق معهم أوضحوا أن الحالة سيئة جداً في بور، وأن كلاً من جون قرنق وكاربينو كوانج والرقيب يوسف كير قد استباحوا بور وكسروا بنك الوحدة في بور وأخذوا كل ما به من نقود التي تقدر بحوالى مليون ونصف جنيه سوداني، كما أوضح الجنود الهاربين من بور أيضاً أن قوات الأنانيا بدأت في الدخول علانية إلى بور وبأعداد كبيرة وهي تحمل السلاح وتغني أغاني الدينكا الخاصة بالحرب.
السبت 14/5/1983م الساعة الثامنة صباحاً وصل إلى مكتب اللواء الركن صديق البنا القائد العام للقيادة الجنوبية وفد من تجار بور يرافقهم السيد/ الطيب حسن مدير بنك الوحدة في جوبا الذي يتبع له بنك الوحدة ببور وصديق كوراك سكرتير الغرفة التجارية بجوبا، ويضم الوفد الذي وصل من بور كل من «فضل الله العاقب وعبدالله إلياس وتاجر آخر. جاء السيد الطيب حسن ليبلغ بكسر البنك ونهب كل ما به من نقود.. كما جاء التجار من بور ليوضحوا الحالة السيئة التي وصل إليها الأمن في بور وما قام به كل من جون قرنق وكاربينو ويوسف كير والملازم ألير وغيرهم من ضرب التجار ونهب الممتلكات وتوزيعها على القوات المتمردة. وقد كشف عبد الله إلياس عن آثار الضرب الذي تعرض له من كاربينو وضباط الصف، وقد كانت الآثار واضحة تؤكد أن الضرب كان مبرحاً وشديداً.
أمر قائد الفرقة بأن يتم علاج التاجر عبد الله إلياس وتضميد جراحه، ثم أخطر كلاً من الطيب حسن وصديق كوراك بأن القيادة سوف تنفذ عملية سريعة ليلة «15/16» وعليهم أن يصبروا على الأذى، وطلب القائد أن لا يرجعوا إلى بور، كما طلب منهم أن يبقوا هذا الأمر في سرية تامة.
السبت 14/5/1983م كررت محاولة إخراج السيد أبل ألير من مدينة بور قبل شن العمليات الحربية «المحدودة» التي قررت ليلة 15/16مايو 1983م. لقد تم إرسال عربة من وحدة جهاز أمن الدولة يقودها وكيل عريف «أمن» جمعة لادو بنقا وبقيادة النقيب «أمن» خميس ميان مدوت إلى بور لإحضار السيد أبل ألير إلى جوبا حتى لا تتعرّض حياته للخطر، لقد رفض السيد أبل ألير الحضور إلى جوبا وقد كان في اجتماع في مقر إقامته بالاستراحة الحكومية. لقد أبلغ النقيب «أمن» خميس ميان أن الاجتماع كان كبيراً شاهد فيه بعض الأجانب وبعض الضباط من الجيش في مقدمتهم جون قرنق وكربينو والشرطة وضباط الصف وبعض السياسيين.. اتضح فيما بعد أن المستر فوستر وبعض الهولنديين كانوا بالاجتماع كما أن محافظ المديرية ماريو كان حاضراً له وقمندان شرطة بور كان حاضراً أيضاً.
الأحد 15/5/1.983م صباحاً زار قائد الفرقة القوات التي سوف تقوم بتنفيذ العملية العسكرية واطمأن على أن كل شيء جاهز تماماً. وحتى تلك اللحظة وحفاظاً على السرية فقد صدرت الأوامر بأن القوات سوف تتحرك صوب نمولي حيث وردت أخباراً بغزو الجيش اليوغندي للأراضي السودانية ودخولها في أكثر من ثلاثين ميلاً تعقباً للمتمردين من الجيش اليوغندي.
الساعة الرابعة عصر 15/5 وصلت أربع عربات مصفحة بنهارت بالطائرات الهيركيوليس من بانتيو للمشاركة في العمليات جنباً إلى جنب مع عربات صلاح الدين المصفحة.. وتحركت رأساً لتأخذ مكانها بشرق النهر حتى لا يراها الأهالي ويعلموا أن هناك عمليات سوف يقوم بها الجيش ضد بور والتي يعلمون بتمردها ورفضها للأوامر الصادرة من القيادة العامة والقيادة الجنوبية.
بعد المغيب مباشرة وتحت ستار جنح الليل بدأت القوات المشاركة في العملية وقوتها كتيبة مدعومة بعناصر مدفعية ومدرعة ومهندسين.. الخ تحت قيادة دومنيك كاسيانو «وهو ضابط مستوعب» تشكل للتحرك شرق كوبري جوبا. وبعد أن اكتمل التشكيل جمعت كل القوة لكي يتحدث إليها قائد الفرقة معلناً المهمة.. وتعالت زغاريد الفرح وتحركت القوة في تمام الساعة الثامنة مساءً يوم 15/5 إلى بور وفي نفس اليوم والساعة تحركت قوة سريتان من أكوبو للهجوم على البيبور.. يوم 16/5 الساعة الخامسة والنصف صباحاً وهو نفس الوقت الذي وصلت فيه القوات المتحركة من جوبا إلى بور وبدأت القوتان في الالتحام مع القوات المتمردة في بور والبيبور في وقتٍ واحد.
لقد انتهت عملية البيبور في أقل من خمسة وأربعين دقيقة حيث كانت المفاجأة مذهلة وعظيمة.. تم القبض على السلاح وعدد من ضباط الصف والجنود واستطاع البعض الهروب إلى البر الإثيوبي في رحلة اللا عودة.
أما في مسرح عمليات بور فقد وقعت بعض المقاومة تمكنت قوات الجيش من سحقها واستلام المعسكر والمدينة قبل الساعة الثانية ظهراً. ولم تُصَب مدينة بور بضرر من نيران القوات المهاجمة كما لم يصب السيد أبل ألير وكانت قد وضعت عليه حراسة من السرية الأولى الكتيبة «107» التي أرسلت من جوبا لحماية بور في 22/1/1983م لقد أصيب الرائد كربينو إصابة خطيرة ولكنه استطاع الهروب وتم استلام المعسكر بكل ذخائره وأسلحته التي كان بعضها لقوات الأنانيا.. كما تم القبض على كل رجال الشرطة والسجون وحرس الصيد الذين سلموا أنفسهم دون قيد أو شرط. كما سلم بعض جنود سرية رئاسة الكتيبة «105» وتمكن بعضهم من الفرار في معية جون قرنق الذي سهل له الهولنديين الهروب بمنحه أربع عربات لاندروفر مزودة بالوقود إلى أن وصل مكاناً آمناً داخل الأراضي الاثيوبية.. كما تمكن كل من صمويل قاي وكوت أتيم ومارتن ماجير من الهروب من بور إلى أثيوبيا.
كانت القيادة الجنوبية ومن مركز القيادة بغرفة العمليات تسيطر على سير العمليتين خطوة بخطوة بأجهزة مركبة على عربات إشارة وعلى اتصال دائم مع جوبا.. وقبل الساعة الخامسة مساءً كانت القوات الهاجمة تسيطر سيطرة تامة على بور والبيبور استشهد من القوات المهاجمة ضابط واحد هو الرائد خميس وثلاثة من ضباط الصف والجنود.
16/5 الساعة السادسة مساءً أرسلت إشارة برق للقائد بالخرطوم تزف نبأ نجاح العمليات دون إراقة دماء وأن كل الأسلحة تم قبضها وتمكن جون قرنق وكربينو وقاي توت وكوت أتيم وغيرهم من السياسيين من الهروب إلى إثيوبيا وذلك لرفض رئيس هيئة العمليات إرسال الطائرتين العموديتين إلى بور للاشتراك في العملية كما هو مقرر.
يوم 17/5 الساعة السادسة والنصف قام قائد القيادة وقائد ثاني الفرقة وركن الاستخبارات والعمليات بزيارة بور للإطمئنان على القوات وسلامتها مما رفع الروح المعنوية لها، عاد قائد الفرقة من بور في الساعة الحادية عشرة والنصف بناءً على طلب من رئاسة الفرقة نسبة لحضور الفريق أبوكدوك إلى جوبا في نفس اليوم إلى رئيس هيئة العمليات هو الفريق توفيق أبو كدوك الذي كان يعارض بقوة العمليات العسكرية، حوالى الساعة الرابعة والنصف وصل جوبا الفريق أبوكدوك وبعض الضباط من القيادة حيث غادروها إلى بور يرافقهم قائد الفرقة للاطمئنان على سلامة القوات.. رجع أبوكدوك عصر نفس اليوم إلى جوبا وغادرها قبل الساعة السادسة مساءً بالطائرة الحربية إلى الخرطوم.
18/5/1983م أصدر اللواء عمر محمد الطيب رئيس جهاز أمن الدولة بياناً أعلن فيه ضرب التمرد في كل من بور والبيبور وأن القوات في طريقها إلى فشلا.. لقد سمعت سرية فشلا البيان وفور سماعها للبيان هربت كل القوة بأسلحتها إلى إثيوبيا وتقدر بحوالى اثنين وسبعين ضابط صف وجندي.
السبت 21/5 تسلم السيد جوزيف جيمس طمبرة رئيس المجلس التنفيذي العالي تقريراً عن الموقف في بور والبيبور وهدوء الأحوال فيهما من رئيس وحدة جهاز الأمن. كما تضمن التقرير الذي وصلت منه صورة إلى السيد قائد القيادة بأن المستر فوستر المندوب المقيم لهيئة الأمم المتحدة قد غادر جوبا يوم 13/5 واجتمع مع الهولنديين بحضور أبل ألير وجون قرنق ومحافظ المديرية مايكل ماريو الذي كان متذبذ ًا بين مؤيد ومعارض للتمرد. في ذلك الاجتماع أخطر المستر فوستر كلاً من جون قرنق وأبل ألير بأن لديه من المعلومات ما يؤكد بأن قائد القيادة الجنوبية اللواء البنا قد أعد العدة للهجوم على بور والبيبور ليلة 15/16 وأخطر المجتمعين بأن وزير الزراعة الإقليمي كان قد طلب من الهولنديين منح الجيش ثلاثة تراكترات للمعاونة في بعض الاعمال. غير أن الهولنديين رفضوا ذلك بعد إخطارهم بأن الجيش السوداني سوف يستعملها في العمليات الحربية ضد قوات بور. إن ما قاله المستر فوستر قد كان حقيقة فقد طلبت القيادة الجنوبية هذه التراكترات لاستعمالها إذا ما هطلت الامطار أثناء أو قبل العمليات بيوم وصار الطريق يصعب التحرك عليه بالعربات العادية.
في أول يونيو 1983م أصدر السيد رئيس الجمهورية القرار رقم «1» حيث تم تقسيم الإقليم الجنوبي إلى ثلاثة أقاليم.. الإستوائي وعاصمته جوبا، أعالي النيل وعاصمته ملكال، وبحر الغزال وعاصمته واو، لقد استقبل هذا القرار الخطير الذي تجاوز فيه الرئيس نميري الخطوات التي نصت عليها اتفاقية أديس أبابا في حالة إجراء أي تعديلات عليها.. لقد قابلته الإستوائية وقبائل أعالي النيل من غير الدينكا بالإرتياح والسرور كما قابلته الدينكا وبعض القبائل التي ترفض التقسيم بغضب وانفعال شديدين.. هرب على إثره كثير من الذين يعارضون التقسيم وقلوبهم مع القوى الانفصالية التي خططت لهذا الهروب المكثف.
في التاسع من يونيو تمرد النقيب وليم نون محتجاً على تقسيم الجنوب. لقد ارتكب النقيب وليم نون أبشع جريمة حينما قام بقتل حرس المواهي الذي أحضر له مواهي سريته وجميعهم من الشماليين بقيادة الرائد عبدالرحمن عبدالمجيد والنقيب عبد الله يوسف وثمانية عشر من ضباط الصف والجنود. قتلهم بمدفع المدرعة الفريت وقام بدفنهم داخل حفرة كبيرة. ودخل الغابة معلناً تمرده للحاق بصديقه المجنون كاربينو.
في 23/6/1983م وصلت إشارة عاجلة من كبويتا توضح أن مجموعة من الخوارج احتلت جبل بوما وقامت بأخذ بعض الأجانب التابعين للمنظمات وأسرهم كرهائن وطالبت بأموال ومهمات وملبوسات وذكرت أنها من حركة تحرير جنوب السودان.
خاتمة:
هذه هي قصة التمرد الثاني هدفه.. إستراتيجية.. وتطوره منذ توقيع اتفاقية أديس ابابا 1972م وحتى يوليو 1983م تم سردها باختصار شديد جداً متجاوزين عن الكثير من الأسرار والحقائق التي أفسحنا لها حيزاً كبيراً جداً في الكتاب «الجنوب معضلة الأمن القومي السوداني» هنالك الكثير من الحقائق والأسرار التي لا يعلمها إلا القلة من القادة السياسيين والعسكريين الشماليين أو الجنوبيين الذين لم تتح لهم الظروف ومجالات العمل للمشاركة فيها أو صنع أحداثها.
سيتم سردها بكل الصدق والأمانة من أجل هذا الوطن الحبيب والأجيال السودانية القادمة.. وكذلك نيابة عن الذين يعلمون الحقائق ولا يريدون الإفصاح أوالكتابة عنها.. نسجلها للتاريخ نيابة عنهم حتى لا تضيع حقوقهم المشروعة.
وبالله قصد السبيل
لواء ركن «م» صديق البنا
قائد القيادة الجنوبية «1982م ـ 1983م»
حامل وسام ابن السودان البار.
شواطى البرغوثى- المشرف
- عدد المساهمات : 356
نقاط : 5821
تقييم : 6
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمر : 35
الموقع : السودان ولاية القضارف قرية غبيشة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين نوفمبر 11, 2013 4:47 pm من طرف ود الشرق
» تحضير كحلة بنت الملك برقان
الأحد نوفمبر 10, 2013 3:20 pm من طرف ود الشرق
» جميع اعطال الشبكه في اي جهاز
الأربعاء مايو 29, 2013 3:57 pm من طرف خانجى
» هنا اكـــــــــــــــــــبر واحــــــــــــــــــــــدث مكتبة فى صـــــــــــــــيـــانــــــــة نـــــــــــــــــــوكـــــــــــــــيا
الأربعاء مايو 29, 2013 3:50 pm من طرف خانجى
» حل مشاكل الاضاءة في اجهزة نوكيا في برنامج واحد
الأربعاء مايو 29, 2013 3:43 pm من طرف خانجى
» برنامج الشـامل لـصيانة الهـواتف الـنقالة
الأربعاء مايو 29, 2013 3:27 pm من طرف خانجى
» حل مشكلة الماكس كي، يطلب تحديث مع آخر إصدار للبرنامج
الأربعاء مايو 29, 2013 3:25 pm من طرف خانجى
» أكواد سحرية لنوكيا 1600 2600 2310 لتدوير الشاشة
الأربعاء مايو 29, 2013 3:17 pm من طرف خانجى
» فلم النبى محمد صلى الله علية وسلم
الأربعاء سبتمبر 12, 2012 6:53 pm من طرف ود الشرق