صرف النظر عن الفساد

٭ نحن وأنتم وهؤلاء وأولئك نعلم وتعلمون ويعلمون أنه ما في شدرة ما هبّاها الريح» وهذا المثل الدارجي ينطبق مع قول سيدنا المسيح عليه السلام.. من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر».. فالجميع خطاؤون وخير الخطائين التوابون. قد يرى البعض هذه المقدمة القصيرة أشبه بخطبة سياسية في مهرجان رياضي أو أغنية وطنية في حفل عرس. وسيدنا عمر بن الخطاب عندما تولى أمر المؤمنين في الخلافة وهو الإمام العادل وقف خطيباً على الجماعة فبدأ حديثه.. وقال «اسمعوا وأطيعوا..»
فوقف أعرابي قح منادياً بأعلى صوته بأن لا سمع.. ولا طاعة.. حتى تبين لنا من أين لك هذا الثوب الذي ترتديه ساتراً؟!» لم يثُر عمر ولم ينفعل ولم يأمر بالقبض على هذا الأعرابي أو حبسه.. ولا حتى إرهابه أو تخويفه بل أخذ يبرِّر له بأن ابنه «عبد الله» تبرع له بنصيبه من القماش الذي وُزِّع عليهم فخاطه مع ثوبه ليكون ساتراً لأنه ذو بسطة في الجسم وطول.. وهنا قال الأعرابي الآن السمع والطاعة..» ثم جلس..
وددت أن أقول إن هذا الدين الإسلامي دين سماحة ودين عدل وخلق ومعاملة بالحسنى.. ولا ينبغي لمن يسير عليه أن يكون مستبداً متسلطاً متكبراً.. ولا معتداً برأيه ولا أنانياً محباً لذاته.
وفي رواية أخرى عن سماحة وتعاليم الدين الإسلامي الرائعة التي أشاعها رسولنا الكريم معلم البشرية صلاة الله وسلامه عليه كان بعض صحابة الرسول في مجلس واحتدّ النقاش بينهم فخاطب سيدنا أبوذر الغفاري سيدنا بلال بن رباح بلهجة حادّة واصفاً إياه «بابن السوداء».. فشكاه بلال لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عاتب أباذر بقوله «أتعيِّره بأمه؟! إنك أمرؤ فيك جاهلية».. بكى أبوذر وطلب من الرسول السماح والاستغفار له ولما خرج من المسجد لاقى بلالاً.. فما كان منه إلا أن وضع وجهه على الأرض طالباً من بلال أن يضع قدمه على خده فسارع بلال برفعه من الأرض وتعانقا وطفقا يبكيان.. هكذا علم رسولنا الكريم صحابته.. وهو القدوة.ولاة أمورنا في هذا البلد ليسوا بأنبياء ولا معصومين وبرغم كل هذا فإن فيهم العادل وفيهم المنصف ومنهم المتواضع وبينهم المهموم بقضايا الوطن وهذا الشعب الطيب الصابر.. فكيف يرضى هؤلاء بأن يكون بينهم الظلمة والمستبدون والمتغطرسون والمتكبرون.. والكبرياء لله وحده..؟!.. ولاة الأمر فينا نطيعهم ما أطاعوا الله فينا ونطمع أن يحكموا فينا شرع الله وسنة نبينا المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.. ولكن لا بد من مؤشر وخطوة تؤكد صدق النوايا.. وهذا المؤشر لا بد أن يبدأ بأولي الأمر أنفسهم باجتثاث كل جذور خربة فيها فساد أو ظلم أو محسوبية ولعل ما ظلت تحمله الصحف اليومية في الآونة الأخيرة عن حالات ظلم وفساد وأنانية ومحسوبية واضحة ومن مسؤولين كبار فيهم الدستوريون وفيهم التنفيذيون.. وبرغم ما نُشر عنهم بكل شجاعة وجرأة إلا أن ساكناً لم يحرَّك حتى اليوم ليبشر هذا الشعب المغلوب على أمره بأن ما أعلنه رئيس الجمهورية من حرب على الفساد قد صار واقعاً ملموساً ومحسوساً ومرئياً وأن مفوضية محاربة الفساد قد باشرت مهامها.. وأن الوزير الفلاني قد تم إيقافه عن العمل وتحويله للمحاسبة والعقاب جراء ما ارتكبه من مخالفات في حق الناس.. ولو بتقاعُس عن أداء واجبه ناهيك عن ارتكاب ما هو أكبر من ذلك نحو استغلال النفوذ أو ظلم الناس أو إفساد أو مجرد تشويه لصورة النظام الحاكم. طالعنا قبل أيام حكاية أحد مستشاري الرئيس مع أحد المغتربين فكان سبباً في حرمان هذا المغترب من العودة إلى وطنه وأهله بسبب استغلال النفوذ. وقرأنا كثيراً عن وزير دولة يتسلط على مجموعة من الصحافيين ويحرمهم من رواتبهم الشهرية وحقوقهم المادية وبخروجه عن مادة دستورية واضحة. وأخيراً انتشرت قصة الوزير المركزي الذي فرض سلطاته على أحد الصحافيين وأمر بحبسه.. فقط لأنه كان يبحث عن حقيقة تشيب لها الرؤوس.. في زمان تعيش فيه بلادنا اسوأ حالاتها الاقتصادية.. و.. و... و.. لا شك أن ما خفي أعظم ونتوقع ونحن في مثل هذه الحالات أن تظهر صباح كل يوم قصة تسلُّط واستبداد وظلم وفساد جديدة.. .. لماذا؟؟.. لأن من انكشف أمرهم وذاع وعم القرى والحضر لا يزالون في مواقعهم ويمارسون أعمالهم التي لم يعد لأحد فيها ثقة ولا اطمئنان ولا أمان.. ولا تزال قيادة البلد وكأنها لا تعلم بما يحدث وبما يدور ولا شك أن صرف النظر عن مثل هذه التصرفات ومن مسؤولين كبار في الدولة سوف يُفقد الثقة بين الحاكم والمحكوم وهذا بالضبط ما حدث في تونس ومصر.. واليمن وليبيا.. والله مع الصابرين..

صقر السودان الشرقى متابعة الصحف