جنوب كردفان الكي بالنار

نتيجة الانتخابات المتواضعة جداً بالنسبة للمؤتمر الوطني توضّح حقيقة مهمة جداً وهي أن طريق الوصول للمشورة الشعبية الذي كان البعض يزعم بأن نتيجة الانتخابات هي السبيل إليه لن يكون سهلاً، بل سيكون هذا الطريق محفوفًا بالمخاطر والأشواك وعلى المؤتمر الوطني أن لا يرفع سقف طموحاته في المنطقة بعد الخذلان الكبير الذي تعرّض له هناك ومن غير المعقول أن نصدق أن نتيجة هيئة الانتخابات هي كل حصاد المؤتمر الوطني في الولاية علماً أن الوطني كان الحزب الوحيد الذي يعمل، ووفرت له كل الإمكانات المادية والإعلامية فكيف يكون حصاده طيلة الـ 20 سنة
متقاربًا لهذه الدرجة مع الحركة الشعبية التي دخلت لتمارس العمل السياسي بشكل رسمي بعد اتفاقية 2005م من المسؤول يا ترى؟
وأين تحالف الأحزاب التي تنازلت للمؤتمر الوطني أين ذهبت أصوات تحالف الأحزاب المناصر لأحمد هارون ومن بين أبرز هؤلاء الأستاذ مكي بلايل فإذا كان هذه هي النتيجة بعد كل هذا الزخم والصرف دعونا نقولها بكل صراحة إن على الوطني أن يعيد النظر وبقرارات حاسمة في قيادته التي تدير شأن الأمور السياسية والشعبية في جنوب كردفان والملاحظة الأخرى في عدد الأصوات التي نالتها الحركة في دوائرها التي حظي بها الوطني في دوائره تجد الفائز من الحركة حاصل على قرابة الـ 17 ألف صوت أو 10 آلاف صوت، في حين الفائز من المؤتمر الوطني أصواته ما بين 6 ـ 4 آلاف صوت وهذه أيضًا ملاحظة أخرى جديرة بالنظر.
نريد أن نقول إن المؤتمر الوطني سجل غيابًا تامًا لم يكن هناك حزب اسمه المؤتمر الوطني ولم تكن هناك رؤية لإدارة الانتخابات في جنوب كردفان وإلا كيف فقد الوطني دائرة الدلنج وهي دائرة لم يكن للتمرّد وجود فيها ولم تقع تحت قبضة الحركة الشعبية خاصة إذا عرفنا أن الفارق بين الفائز من الحركة والخاسر من الوطني 53 صوتًا أي بمعنى آخر شحنة 2 بوكس من أنصار الوطني أو المتعاطفين معه وهذا يكشف بوضوح شديد عدم انضباط لجان الحزب التي أدارت العملية الانتخابية وغياب التنسيق، ولا نعفي الوالي مولانا هارون من هذا فهو الذي راهن على الشراكة الذكية مع الحركة الشعبية أكثر من رهانه على الحزب، بل هناك من يرى أن هارون ضرب بالحزب عرض الحائظ وفضّل العمل مع الحركة وإدارة الولاية بأسلوبه الخاص من أجل إحراز الهدف الذهبي في مرمى السلام كما ظل يردِّد ويزعم، لكن هدف هارون طلع «أوف صايد» ومما لا شك فيه أن إستراتيجية الشراكة هي المسؤول الأول عن التمكين للحركة الشعبية في جبال النوبة بحجم أكبر مما كانت عليه قبل 2005م، بل الشاهد الآن حالة التهميش التي طالت المؤتمر الوطني بفضل الشراكة الذكية لم يسلم منها حتى الطاقم الوزاري للوالي.
لذلك فإن نتائج الانتخابات في جنوب كردفان بحاجة لدراسة وتحليل موضوعي من جهات محايدة داخل حزب المؤتمر الوطني ومن خارجه؛ لأن مآلات ما يجري في تلك المنطقة قد يقود إلى ما هو أسوأ من المشورة الشعبية إذا لم يكن هناك تفكير موضوعي لعزل التيارات الموجودة في المنطقة من ارتباطها بأي أجندة متعقلة بدولة أخرى كدولة الجنوب الوليدة والعمل بعقلانية لاستيعاب النوبة على وجه الخصوص في المنظومة السياسية للدولة الشمالية، واحترام خيار المؤسسات السياسية الموجودة بالولاية بتقليل التدخلات المركزية، وتخطئ القيادات المركزية للوطني وتكرِّر إخفاقاتها ذاتها لو أخذت برأي من يحاولون حالياً السعي لتحميل جهات لم تكن جزءًا من ترتيب الأمور في جنوب كردفان مسؤولية النتائج المتواضعة للانتخابات.